تقصير الفقراء وإهمال الأغنياء

27/10/2012 22:08

 

تقصير الفقراء وإهمال الأغنياء

 

الشيخ قيس المبارك آل الشيخ المبارك عضو هيئة كبارالعلماء بالسعودية وعلم من أعلام المالكية في العالم والمؤرخ المختص في تاريخ الاندلس والمغرب 
أكرمنا الله بزيارته لبرشلونة في المركز الثقافي الاسلامي الكتالاني على مدار ستة أيام وحاضر في مساجدها ومراكزها وقابل مسلميها ولما وصل الى السعودية من يوم كتب في صحيفة اليوم السعودية
هذا مقاله :

 
 
من حكمة الله تعالى أنه تكفَّل بحفظ دينه، ولم يَكِلْ ذلك إلينا، فالأمر كما قال عليه الصلاة والسلام: (لَيبلُغنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليل والنهار، ولا يَترك الله بيتَ مَدَرٍ ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين.

بعزِ عزيز أو بذلِّ ذليل ) فللكون مدبِّر، وليس للخلق إلا بذل الأسباب، كما قال سبحانه: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ) أما التوفيق والنجاح فهو بيد الله (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى) وآيةُ ذلك أن بلدةً دخلها المسلمون قبل أكثر من ألف سنة، وكانوا فيها أقلِّيَّة، فلم يكن عددهم يتجاوز واحدا في الـمِائة من سكانها الأصليين، فتوزَّعوا على الأحياء، يقيم في كل حيٍّ أفراد منهم، ويجعلون لهم مسجدا يصلون فيه، فلم يُكرِهوا أحدا على الدخول في الإسلام، ولم يسيئوا لأحدٍ من سكانها، بل نشروا العدل وأَمَّنوا البلاد، فلم تقم عليهم ثورة شعبيَّة، بل تلقَّاهم الناس بالترحاب.

المصليات تقوم بوظيفة وزارة الشؤون الإسلامية ووزارة العدل ووزارة الشؤون الاجتماعية وغيرها، أما فقراء المسلمين في برشلونة، فينتشر بينهم التسوُّل، والتفكك الاجتماعي ويضعف فيهم التحصيل العلمي، وتقلُّ فيهم النظافة في بلدٍ - بحسب التصنيفات العالمية- هي أنظف بلدة بعد اليابان، فلا يجد أهل البلاد من المسلمين إلا ما يسرُّ العدو ويسوء المحب

وبدأوا يدخلون في الإسلام زرافاتٍ وَوِحْدانا، فصاروا كثيراً بعد أنْ كانوا أقلية، وما كان هذا إلا توفيقا من الله لهم، سَعَوا فكلَّل الله سعيهم بالنجاح، إنها مدينة برشلونة، التي يقيم بها اليوم نصف مليون مسلم، أي ثمن سكانها، وهم من بلادٍ شتَّى وأغلبهم عمَّال مغاربة، ونصفهم يحمل الجنسية الاسبانية، ويزورها كثير من المسلمين، فيبلغ زوَّارها من أهل الخليج فقط ما يقارب عشرة آلاف سائح شهرياً، ورغم أن المسلمين مختلطون بأهلها في سائر الأحياء والأرياف، غير أن تأثيرهم ضعيف جداً، فليس في هذه المدينة سوى اثنين وعشرين مصلَّى، وجلُّها مستأجر بأجرة شهرية، بل وأغلبها كرجات تحت الأرض، وقد قال أحدهم: (أتمنَّى أن أرى الشمس وأنا في المسجد) يشترك أغنياءُ المسلمين وفقراؤهم في إهمال دينهم، وكأنهم لم يسمعوا قول سيدنا أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه: أيُهزم الدين وأنا حيّ؟ 
الأغنياء في برشلونة، من مقيمين ومن مستثمرين، يملكون كثيراً من المنشآت الكبيرة، كالمصانع والفنادق والأبراج، بل والمجمعات الضخمة، ولم يقم واحد منهم بشراء أرض وبنائها لتكون مسجداً ينتفع به الناس، فالمصلَّيات ليست للصلاة فقط، بل هي موضعٌ لعلاج هموم الناس، فالإسلام دينٌ رسمي في إسبانيا، ولذلك ففي المصليات تُجرى عقود الأنكحة وصكوك الطلاق، وبها تحلُّ كثير من المشاكل الأُسرية وما أكثرها، بسبب كثرة التزاوج المختلط، فكم من شاب ضائع رعَوه، وكم من فتاة تائهة حفظوها، كم من عجوز معوَّق عالجوه، وكم وكم وكم، فالمصليات تقوم بوظيفة وزارة الشؤون الإسلامية ووزارة العدل ووزارة الشؤون الاجتماعية وغيرها، أما فقراء المسلمين في برشلونة، فينتشر بينهم التسوُّل، والتفكك الاجتماعي ويضعف فيهم التحصيل العلمي، وتقلُّ فيهم النظافة في بلدٍ - بحسب التصنيفات العالمية- هي أنظف بلدة بعد اليابان، فلا يجد أهل البلاد من المسلمين إلا ما يسرُّ العدو ويسوء المحب، إنك لتعجب من كثرة المسلمين في طرقات برشلونة، ومن كثرة منشآتهم، بل إن القرى لا تزال بأسمائها العربية القديمة، فتجد القرى الواقعة في طريق الذاهب إلى سرقسطة (جُنيدة- البُنيان-أبوالأنوار- الغرَّاف- بني عروس-برج اللوز-الفخَّارين، ولا تزال مشهورة بصناعة الفخار) 
وتتذكَّر قول دعبل الخزاعي:
  ما أكثر الناس بل ما أقلهم
    والله يعلم أني لم أقل فندا  
إني لأفتح عيني حين أفتحها
    على كثيرٍ ولكن لا أرى أحدا
أليس معيبا ألا يكون بهذه البلدة مسجد، وألا يتعاهد زوَّار برشلونة من السياح على زيارة هذه المصليات ودعمها بالمال أوبالدعم النفسي، وشكر القائمين على هذه المصليات على جهود جبارة يبذلونها بلا دعمٍ إلا النزر اليسير، وعلى التوجيه لهم والإرشاد والتناصح، فهذا أقل الواجب .

 
 

 

للخلف

ابحث فى الموقع

جميع الحقوق محفوظة lidcoe 20012 ©